عباس حلمي الثاني


 عباس حلمي يخلف ابيه توفيق 1892م


تولي عباس حلمي الثاني العرش في 8 يناير 1892 م بعد وفاة والده توفيق.
كان عباس حلمي يكن إعجاباً كبيراً بجده إسماعيل المنفي خارج مصر و وصفه “ببعد النظر و الأستنارة” و أنه صاحب الفضل في إرساء مفهوم الوطنية.

الخديو عباس حلمي
كان الخديوي عباس يتطلع إلي مزاولة سلطاته بعيداً عن سيطرة و توجيه المعتمد البريطاني اللورد كرومر.
و كانت أبرز المواجهات مع اللورد كرومر قد وقعت عام 1893 عندما قام الخديوي عباس بإقالة مصطفي فهمي المعروف بولائه للإنجليز من الوزارة ، و تعيين حسين فخري باشا دون استشارة المعتمد البريطاني.
و لقد أعترض كرومر علي ذلك ، و أبرق إلي حكومته . و أضطر الخديوي للمهادنة و توصلوا إلي حل يحفظ للخديوي كرامته و هو الإيعاز لحسين فخري باشا بتقديم استقالته و تكليف رياض باشا برئاسة الوزارة.
كانت السلطة الشرعية الأسمية يتقاسمها السلطان العثماني و الخديوي ، و لقد عمد الخديوي عباس إلي تحسين علاقته بالسلطان العثماني حتي لا تتفق
الدولة العثمانية مع إنجلترا ضده كما حدث للخديوي إسماعيل.
لكن الخديوي عباس حرص أيضاً علي التقرب من الشعب ، فقام بالإفراج عن
بعض مسجوني الثورة العرابية، و عين بعضهم في وظائف خارج الجيش، و أعاد
إليه نياشينهم، و عفا عن عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية و سمح له بمزاولة نشاطه علنا.

 مصطفي كامل يتزعم الحركة الوطنية
تخرج مصطفي كامل في مدرسة الحقوق المصرية و الفرنسية عام 1894 م،  
و لكنه لم يترافع في أي قضية مدنية، بل وهب نفسه لخدمة استقلال مصر،
و قبل أن يتخرج بعام كان قد انضم لصالون سليم باشا ، و هو أحد الصالونات الفكرية
التي انتشرت في ذلك الوقت. و كان صالون سليم باشا يتبني أفكار العرابيين.

مصطفي كامل
رأي مصطفي كامل أن ينسق أفكاره مع الخديوي عباس و يتفاهم معه بشأن الحركة الوطنية حتي لا يقع في مشكلة التناقض و الشقاق الذي حدث بين عرابي و توفيق.
كما كان يهدف إلي التنسيق مع السلطان العثماني نظراً لتبعية مصر لتركيا ، و في هذا الخصوص اقترح علي السلطان العثماني عام 1897 م أن يوافق علي جلاء الجيش العثماني عن بلاد اليونان مقابل جلاء الإنجليز عن مصر.
و رأي مصطفي كامل الاستفادة من اعتراض فرنسا علي بقاء إنجلترا في مصر ، فاتصل بالسياسيين و المثقفين في فرنسا و سافر عدة مرات إلي فرنسا يكتب في صحفها و يخطب في الاجتماعات العامة من أجل المطالبة بجلاء الإنجليز عن مصر.
قام مصطفي كامل بتكثيف نشاطه من أجل إيقاظ الوعي و تنمية الروح الوطنية و تبصير الناس بخطورة الإحتلال و جريمة التعاوم معه و الاستسلام
له.و علي هذا قام بتأسيس جريدة اللواء الإسلامي عام 1900م لتطق باسم الجلاء
 ، و دعا إلي وضع الدستور ، و اعتمد أكثر علي الدولة العثمانية لمواجهة الإنجليز
في إطار حركة الجامعة الإسلامية ، و تحقيقاً لذلك أصدر جريدة أسبوعية باسم
العالم الإسلامي عام 1905 م .
و لكن الأيام حملت لمصطفي كامل ما لا يتوقع ، فالخديوي عباس وجد أنه لا يستطيع
 الاعتماد علي الفرنسيين لتخليص مصر من الإنجليز ، و كانت حادثة فاشودة أبرز دليل
علي ذلك ، فالفرنسيون الذين أرادوا التوسع في مستعمراتهم في شرق أفريقيا عند
 النيل الأبيض لم يقدروا علي مواجهة الإنجليز و انسحبوا خائبين و تركوا مدينة فاشودة
 للسيطرة الإنجليزية .
فأدرك الخديوي عباس أن الفرنسيين الذين لم يقفوا ضد الإنجليز في فاشودة ،
 لن يحركوا اصبعاً لإخراج الإنجليز من مصر. و بالتالي تنكر الخديوي عباس للحركة
الوطنية و مصطفي كامل و سلك طريق المهادنة مع المعتمد البريطاني جورست
 الذي خلف كرومر فيما عرف بسياسة الوفاق بين عباس و جورست (1907)
و كما أدرك الخديوي عدم قدرته علي الإعتماد علي الفرنسيين ، توص
ل مصطفي كامل لنفس النتيجة عندما أبرمت الدولتان العظمتان
 فرنسا و إنجلترا ما عرف بالوفاق الودي  Entente Cardial في 8 أبريل 1904 م
 .و نص هذا الوفاق فيما يتعلق بمصر علي أن تلتزم إنجلترا بأن لا تعرقل احتلال فرنسا
 للمغرب في مقابل أن تلتزم فرنسا بعدم السعي لتغيير الحالة السياسية

المستعمرات البريطانية (أحمر) و المستعمرات الفرنسية ( أزرق)
في مصر ( أي الاحتلال الإنجليزي). و بذلك فقد 
مصطفي كامل أي أمل في مساندة فعلية من فرنسا لتحرير مصر.





 حادثة دنشواي 1906م
تعد حادثة دنشواي في يونية 1906 م آخر فظائع
المعتمد البريطاني اللورد كرومر في مصر 



و تتلخص الحادثة في أن بعض الضباط الإنجليز
 خرجوا لصيد الحمام بالقرب من قرية دنشواي،
 إحدي قري المنوفية. فحذرهم الأهالي أن اقتراب
 البارود من أجران القمح يمكن أن يشعل حرائق كبيرة.
 و لكن الضباط الإنجليز لم يهتموا. فحدث أن أخطأت
 إحدي طلقات البنادق فأصابت إمرأة و قتلتها. فهاج
 الأهالي علي الضباط و طاردوهم، حتي أصيب أحد
 الإنجليز بضربة شمس و مات.
و لكن الإدارة البريطانية أستغلت هذه الحادثة لإظهار
قسوة شديدة ترهب الحركة الوطنية الصاعدة. فأحالت
 52 فلاحاً للمحاكمة و انتهت المحاكمة إلي الحكم
تنفيذ حكم الإعدام في أحد الفلاحين
 بشنق أربعة منهم و معاقبة 12 بالأشغال الشاقة
 المؤبدة و جلد خمسة.
استغل مصطفي كامل الحادثة في التنديد بالاحتلال في
كل من مصر و أوروبا، فقامت إنجلترا بسحب اللورد كرومر
في أبريل 1907م و عينت جرورست  Sir Eldon Gorst معتمداً
 بريطانياً خلفاً له في مصر.
كما هاجمت صحيفة اللواء التي أنشأها
 مصطفي كامل رئيس الوزراء المصري بطرس باشا
 غالي لموالاته للإنجليز و إصداره احكام بالإعدام
 و الجلد في حادثة دنشواي، مما أهاج المصريين ضده حتي قام شاب
 اسمه إبراهيم الورداني باغتياله عام 1910م أثناء خروجه من مقر رئاسة الوزراء،
و تم القبض علي الورداني و حكم عليه بالإعدام. و تعد حادثة اغتيال بطرس غالي
 هي الثانية في تاريخ مصر الحديث بعد اغتيال كليبر، ثم تتابعت حوادث
 الاغتيال السياسي في تاريخ مصر الحديث و المعاصر كما سنري.
أدرك مصطفي كامل ضرورة تنظيم الجهود الوطنية بعد حادثة دنشواي فأنشأ
 نادي المدارس العليا و الحزب الوطني في ديسمبر 1907، و أصدر طبعتين
إنجليزية و فرنسية من جريدة اللواء للقارئ الأوروبي.
توفي مصطفي كامل في 10 فبراير 1908م و هو في الرابعة و الثلاثين
 من عمره، و خلفه في زعامة الحزب الوطني محمد فريد.

 نشأة الأحزاب السياسية في مصر 1907م


يعتبر عام 1907م هو عام نشأة الأحزاب السياسية
 في مصر. فقد نشأ حزب الأمة بقيادة أحمد لطفي
 السيد و كان يمثل طبقة كبار الملاك، و الحزب الوطني
 بقيادة مصطفي كامل، و هذان الحزبان كانا أكبر حزبين
 من حيث الشعبية.
ثم جاء حزب الإصلاح علي المبادئ الدستورية و مؤسسه
الشيخ علي يوسف الذي قام بتأييد الخديوي،
و الحزب الوطني الحر ( الأحرار) بقيادة محمد بك وحيد
  و كان موالياً للإنجليز، و الحزب الدستوري بقيادة
إدريس بك راغب، و حزب النبلاء بقيادة حسن حلمي
 زاده، و الحزب المصري بقيادة لويس أخنوخ، و الحزب
الجمهوري بقيادة محمد غانم.
و يميل المؤرخون إلي اعتبار حزب الأمة الذي
 أُعلن عن قيامه في 20 سبتمبر 1907 م بقيادة
أحمد لطفي السيد هو أول حزب سياسي قام في مصر، لأنه استوفي كل أشكال و مقومات 
الحزب عند
 قيامه بما فيها تشكيل جمعية عمومية و وضع برنامج الحزب و هيكل و مقر و نظام عضوية.
و الحقيقة التي لا مراء فيها أن كل هذه الأحزاب قد قامت لغاية واحدة و هي جلاء الإنجليز
 عن مصر. و كان
 منبرها الوحيد في ذلك الوقت هو الصحف. فلم يكن لها تمثيل في البرلمان، حتي جاء
 دستور 1923 م
الذي أعطي للأحزاب الفائزة بالأغلبية في الانتخابات حق تشكيل الحكومة.
محمد فريد يخلف مصطفي كامل في زعامة الحركة الوطنية

كان الخديوي عباس متفاهماً مع جورست المعتمد البريطاني
 الجديد حتي سمي وفاق عباس
 جورست، و قام الإثنان بتبادل المنافع، فقام جورست بمساعدة
 الخديوي علي شراء
 أملاك الحكومة في مريوط بثمن زهيد، و في المقابل وافق
 الخديوي علي منح امتياز 
خطوط السكك الحديدية لشركة إنجليزية.
 لكن جورست كان مختلفاً عن كرومر من حيث تخفيف الرقابة علي تصرفات الخديوي، و توسيع سلطات مجلس النظار، و إطلاق يد المصريين في إدارة شئون
 بلادهم إلي حد ما، و تمصير
 الإدارة تدريجياً و إيقاف سياسة الجلنزة ( طبع الإدارة المصرية بالطابع الإنجليزي).

           و كانت الحركة الوطنية بقيادة محمد فريد هي أكثر المتضررين من الوفاق بين
الخديوي و الإنجليز، لأن ذلك
 لم يعط فرصة لمناقشة فكرة جلاء الإنجليز عن مصر. فلجأ محمد فريد إلي وسائل
 آخري لزيادة الوعي
لدي الشعب، فعمل علي توسيع دائرة نشاط الحزب الوطني بحيث لا تقتصر عضويته 
علي المثقفين
 من أبناء المدن، بل إنه عمل علي ضم النقابات العمالية إلي الحزب، كما أسهم في 
تكوين نقابة عمال
 الصنائع اليدوية عام 1909م ، كما عمل علي تثقيف عامة الشعب و تعليمهم في مدارس ليلية.
و لكن جورست المهادن مات في 1911م، و خلفه كتشنر الذي أعاد سياسة القبضة الحديدية
و الحكم المطلق، فعادت سياسة الجلنزة و مطاردة الوطنيين.
و حدث أن كتب محمد فريد مقدمة لديوان شعر بعنوان “وطنيتي” للشيخ علي الغاياتي
 فقدم للمحاكمة بسبب العبارات الوطنية الواردة في المقدمة و سجن محمد فريد لمدة 6 أشهر.
و أخذت السلطات الإنجليزية تتعقبه في كل تحركاته، و اعتقلته مرة أخري عام 1912م،
فآثر محمد فريد الخروج من مصر في 26 مارس 1912م ليواصل نضاله ضد الحتلال البريطاني
 في المحافل الأوربية إلي أن مات في برلين في خريف 1919م.
انفصال مصر عن الخلافة العثمانية و فرض الحماية البريطانية 1914م »
قامت الحرب العالمية الأولي عام 1914 م، و كان الإنجليز يريدون حشد موارد 
مصر لخدمتهم في الحرب لذلك وجدوا أن عباس حلمي لن يساعدهم في ذلك،
 فانتهز الإنجليز وجود عباس حلمي خارج مصر في تركيا و سارعوا بإعلان إنفصال
مصر نهائياً عن الدولة العثمانية و إعلان الحماية البريطانية عليها و إسناد الحكم إلي
 عمه حسين كامل أخو توفيق و لقبوه بلقب سلطان.حفلت سنوات حكم السلطان
 حسين كامل (1914-1917م ) بعدم الاستقرار، و ذلك بسببالرفض الشعبي للحماية
 البريطانية علي مصر و نزعها من الخلافة العثمانية، هذا الرفض الشعبيالذي تمثل في
 عدة محاولات لاغتيال السلطان حسين كامل و العديد من وزرائه، و أيضاً بسبب
 محاولات العثمانيين المتكررة اقتحام قناة السويس و طرد البريطانيين من
البلاد سنة 1915م،مما أعطي الأمل للمصريين في عودة الخلافة العثمانية
 و الخديوي عباس حتي انتشرت الأهزوجة الشعبية ” الله حي ، عباس جي”.
السلطان حسين كامل
و الحقيقة أن حسين كامل مالبث أن تدهورت صحته بما ينذر بوفاته،
 فأخذت الإدارة البريطانية تبحت عن من يخلف السلطان المريض، 
و كان لديها ثلاث اختيارات : كمال الدين الأبن الوحيد للسلطان حسين كامل،
 الأمير أحمد فؤاد الابن السادس لإسماعيل و أخو السلطان حسين كامل و
 الخديوي توفيق السابق، و الأمير يوسف كمال حفيد إبراهيم باشا.و بعد اعتذار
كمال الدين عن تولي العرش خلفاً لأبيه، استقر رأي الإدارة البريطانية علي أحمد فؤاد
 الذي كان يحظي بحب و احترام الشعب المصري.توفي السلطان حسين كامل في
 أكتوبر 1917 و خلفه أخوه أحمد فؤاد
أحمد فؤاد يتولي عرش مصر

عندما تدهورت صحة السلطان حسين كامل بما ينذر بوفاته، أخذت
 الإدارة البريطانية تبحت عن من يخلف السلطان المريض، و كان لديها 
ثلاث اختيارات : كمال الدين الابن الوحيد للسلطان حسين كامل، الأمير
 أحمد فؤاد الابن السادس لإسماعيل و أخو السلطان حسين كامل و الخديوي
 توفيق السابق، و الأمير يوسف كمال حفيد إبراهيم باشا.
و بعد اعتذار كمال الدين عن تولي العرش خلفاً لأبيه، استقر رأي الإدارة البريطانية
 علي أحمد فؤاد الذي كان يحظي بحب و احترام الشعب المصري.
توفي السلطان حسين كامل في أكتوبر 1917 و خلفه أخوه أحمد فؤاد.
 سعد زغلول قائد الحركة الوطنية المصرية


سعد زغلول هو فلاح ابن فلاح من الدلتا، تزوج من ابنة أحد رؤساء الوزراء في
 عهد الخديوي عباس حلمي الثاني. عينه
 لورد كرومر وزيراً للمعارف سنة 1906م، و ظل في هذا المنصب لمدة
 أربع سنوات، ثم عين وزيراً للعدل لمدة
 ثلاث سنوات، حتي اختلف مع المندوب السامي البريطاني كتشنر فاستقال. بعد استقالته عين
رئيساً للمجالس القضائية سنة 1913م . و منذ ذلك الحين عمل علي استخدام حريته في العمل
 لنشر أفكاره عن تدعيم الديموقراطية لجعل مصر حرة و مستقلة.
كان السلطان أحمد فؤاد في البداية علي وفاق مع الحركة الوطنية الوليدة بزعامة
سعد زغلول. فقد كان فؤاد، مثل عباس حلمي ، يتصور إمكانية أن يضاف عائد العمل الوطني
 و رغبة المصريين في الحصول علي قدر من الاستقلال لحساب سلطة قصر عابدين، حتي
أن الوفد نفسه نشأ بمباركة و مساعدة السلطان أحمد فؤاد ، و كان ذلك في مارس 1918 م .
كما تقدم الملك فؤاد بطلبات متكررة لبريطانيا عن طريق المندوب السامي البرطاني ونجت
 بمنح مصر قدراً من الحكم الذاتي بشكل أو بآخر بما يسمح توسيع سلطاته. 
كما أنه أرسل إلي الرئيس الأمريكي ويلسون يشكره علي المبادي الأربعة عشر التي تدعم
 حق الشعوب في تقرير مصيرها.
و الحقيقة أن كل تحركات الوفد قبل ثورة 1919 كانت بالتنسيق مع فؤاد ، حتي أن زعماء الوفد
 الثلاثة سعد زغلول و عبد العزيز فهمي و علي شعراوي اجتمعوا مع السلطان فؤاد للاتفاق 
علي تشكيل وفد للذهاب إلي مؤتمر الصلح في باريس لعرض قضية استقلال مصر.
 ثورة 1919
عندما انتهت الحرب العالمية الأولي بفوز الحلفاء و ردد العالم مبادئ
 ويلسون الأربعة عشرة علي اعتبار أنها ستنصف الشعوب المقهورة 
استناداً إلي مبدأ حق تقرير المصير ، ذهب زعماء مصر يرأسهم سعد زغلول 
إلي المندوب السامي البريطاني ونجت للحصول منه علي موافقة علي السفر
 إلي باريس لعرض قضية استقلال مصر علي مؤتمر الصلح هناك.
كان من المتوقع أن يدعم مؤتمر الصلح في باريس الحماية البريطانية المفروضة 
علي مصر، و لكن مصر كانت تريد أن تعرف حقوقها تجاه بريطانيا كما كانت تعرف
 حقوقها تجاه الخلافة العثمانية.
و لكن ونجت رفض، و أدعي أن سعد زغلول و عبد العزيز فهمي و علي شعراوي
 لا يمثلون الشعب.


و لابد أن نذكر حقيقة تاريخية ظهرت بعد نشر المراسلات بين ونجت
و الحكومة البريطانية، و هي أن ونجت كان يوافق علي عرض مصر
 لمطالبها في مؤتمر الصلح فيقول في مراسلاته للحكومة البريطانية
 “إذا لم تعالج هذه المسألة المشتعلة الآن، فمن المحتمل أننا 
سنواجه صعوبات كبيرة في المستقبل، و اعتقد أنه من العدل أن يعرف 
السلطان و الوزراء و المصريون جميعاً موقفهم”.
و لكن رد الخارجية البريطانية التي كان يرأسها بلفور جاء كالتالي ” الوقت
 الذي يصبح فيه ممكناً منح مصر حكماً ذاتياً لم يحن بعد”
و حتي تكون لسعد زغلول صفة الوكالة عن الشعب في المطالبة بحقوقه 
، بدأت حملة توقيعات علي عرائض بتوكيل سعد و أصحابه. و أشعلت حركة 
توقيع التوكيلات المشاعر الوطنية و أصبح الشعب في مواجهة سلطات الاحتلال
 التي نشطت في قمع حركة توقيع التوكيلات.
و زاد الاضطراب بعد قبول استقالة وزارة حسين رشدي الذي استقال احتجاجاً
 علي عدم السماح للوفد بالسفر إلي مؤتمر الصلح وفي باريس، عدم السماح
 أيضاً لحسين رشدي و وزير المعارف عدلي يكن بالذهاب إلي لندن لمناقشة
 آمال مصر في الاستقلال مع الحكومة البريطانية.
و كان قبول استقالة وزارة حسين رشدي الوطنية من السلطان فؤاد إذاناً بالقطيعة
 بين السلطان فؤاد و الوفد بزعامة سعد زغلول، فقد أرسل الوفد خطاباً قاسياً
 للسلطان فؤاد فيه كثير من التأنيب علي قبول استقالة حسين رشدي و كان 
الأولي بالسلطان فؤاد أن يقف بجانب الوزارة المتمسكة بحق مصر في عرض
 قضيتها و آمالها في الاستقلال.
كان هذا الخطاب الموجع هو ورقة الطلاق بين السلطان فؤاد و الوفد ، فانتهز
 الإنجليز الفرصة و قاموا في 8 مارس 1919 باعتقال
 سعد زغلول  و محمد محمود و حمد الباسل و إسماعيل صدقي و ساقتهم
 إلي ثكنات قصر النيل و منها إلي بورسعيد ثم نفتهم إلي  جزيرة مالطة.
ما كاد نبأ اعتقال و نفي سعد يسري بين الشعب حتي اندلع لهيب الثورة
 يوم 9 مارس في القاهرة و المدن الكبري ثم القري، و لم يعد هناك مكان
 إلا ويضج بالثورة الوطنية.
و خرجت جميع طوائف الشعب في هذه الثورة، فقد كانت ثورة شعبية بحق،
 شارك فيها العمال و الطلبة و الفلاحين. حتي المرأة خرجت في مظاهرات 
فهزت المجتمع بجرأتها ووطنيتها. و أنقض الفلاحون علي خطوط السكك الحديدية 
و البرق فقطعوها.
استدعت الخارجية البريطانية ونجيتWingate ، و حل محله لورد اللنبي الذي
 استعمل الفرق البريطانية للسيطرة علي الثورة، و حدثت صدامات بين الثوار 
و القوات الإنجليزية، و قتل عدد غير قليل من المصريين في هذه الصدامات.
و في النهاية تراجعت إنجلترا و قامت بالإفراج عن سعد زغلول و رفاقه، و أعلنت 
أنها مستعدة للتفاوض بشأن استقلال مصر، و سمحت لوفد سعد زغلول بالسفر
 إلي أور,با، و لكنهم وجدوا الأبوب موصدة أمامهم، فقد وافقت الدول الكبري علي
 الحماية البريطانية علي مصر، و لم يسمح لمصر عرض قضيتها.
و الحقيقة أن أهم ما في ثورة 1919 من ناحية استقلال مصر، هو أنها مثلت الأسوأ
علي الإطلاق في كل الاحتمالات التي وضعها الاحتلال البريطاني في التعامل
 مع ملف استقلال مصر، و ظلت الثورة بعد ذلك تمثل الفزاعة التي يخاف منها 
الإنجليز و يخشون تكرارها، مما جعلهم مستعدين لتقديم مزيد من التنازلات 
في موضوع الاستقلال.
كما أن مطالب سعد زغلول في الاستقلال كانت تمثل أعلي درجات الاستقلال،
و يقابلها في نفس الوقت عرض بريطانيا الذي كان يمثل أقل درجات الاستقلال
الذي ترغب بريطانيا في إعطائه لمصر، فجاءت ثورة 1919 و تضامن كل فئات
 الشعب مع مطالب سعد  و انتشار روح الوطنية و التوحد خلف قائد واحد ،
 جاء كل ذلك ليعطي وزناً أكبر لدرجة الاستقلال التي يتبناها سعد، و أجبرت
 بريطانيا عن أن تعلي من سقف تنازلاتها لتصل إلي نقطة الالتقاء مع أي
 حكومة مصرية تقبل التفاوض معها.
و هذا ما سنراه في إلغاء الحماية البريطانية علي مصر عام 1922 م.

هناك تعليق واحد: